د.عبد الله بوصوف: نسبة كبيرة من مغاربة إيطاليا التي يفوق عددها 600 ألف مهاجر مغربي ليدها حق التصويت بحكم تمتعهم بالجنسية الإيطالية
يعيش المشهد السياسي الإيطالي على إيقاع حملة انتخابية صاخبة منذ تقديم “ماريو دراغي”، رئيس الحكومة لاستقالته لرئيس الجمهورية “ماتريلا” في شهر يوليوز الماضي، حيث تم إعلان انتخابات مبكرة يوم 25 شتنبر لانتخاب أعضاء البرلمان الإيطالي، مع تبادل الفرقاء السياسيين الاتهام بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية حيث كان يتمتع الرئيس “ماريو دراغي” بثقة باقي الشركاء بكل مؤسسات الاتحاد الأوروبي أو حلف “الناتو”.
وتجري تشريعيات 25 شتنبر في مشهد يختلف كثيرا عن تشريعيات سنة 2018، حيث خضعت فصول دستورية في شهر أكتوبر 2020 لتعديلات همت خفض أعضاء مجلس النواب من 630 عضو إلى 400 عضوًا، ومجلس السيناتو (الشيوخ) من 315 عضوا إلى 200 عضوًا، كما تعرضت أحزاب التحالف الحكومي، خاصة الحزب الديمقراطي، لهزات داخلية وانشقاقات امتدت أيضا إلى حزب “خمسة نجوم” الذي تعرض بدوره لنزيف كبير داخل صفوفه، في حين عرفت أحزاب اليمين واليمين المتطرف استقرارا على مستوى القيادة والتنظيم.
ويرى أغلب المتتبعين أن الحملات والبرامج الانتخابية تأثرت كثيرا بتداعيات جائحة كورونا والحرب الدائرة في أوكرانيا وما تبعها من أزمة الغاز الطبيعي وارتفاع فاتورة الكهرباء وأزمة الحبوب والمواد الأولية، وهو ما يعني أن انتظارات الناخب الإيطالي تدور حول هذه المطالب بصفة خاصة، بالإضافة إلى ملفات المساعدات الاجتماعية والصحة العمومية والتعليم والشغل، وهنا نلاحظ أن ملف الهجرة واللجوء لم يحتل تلك المساحة السياسية والإعلامية كما جرت عليه العادة في مثل هذه المناسبات السياسية، بل ركزت البرامج الانتخابية، بالإضافة إلى تحضير إيجابات للناخب الإيطالي، على التطرق إلى دور إيطاليا على مستوى دول الاتحاد الأوروبي و”الناتو”.
أكثر من هذا، فإن انتخابات يوم 25 شتنبر قد تُعتبر جولة أخرى من الصراع بين أدبيات أحزاب اليسار والحركات المدنية من جهة، وتحالف اليمين واليمين المتطرف من جهة ثانية، فبعد جولة الرئاسيات الفرنسية في ماي 2022 وتشريعيات ألمانيا ومؤخرا بالسويد في 11 شتنبر، حيث لوحظ تمدد اليمين المتطرف بشكل قوي داخل المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وهو مؤشر خطير على مستقبل انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة.
وهو بالضبط ما جعل الإعلام الإيطالي يصنف قادة اليمين المتطرف ضمن حلف بودابست عاصمة المجر والحزب الديمقراطي و”خمسة نجوم” وغيرها ضمن حلف بروكسيل عاصمة الإتحاد الأوروبي، وهي تمثلات لتحالفات سياسية كبرى بين يمين متطرف يميل إلى محور “فيكتور أوربان” الذي يضم أيضا “ماري لوبان” من فرنسا وحزب “فوكس” من إسبانيا و”البديل” في ألمانيا و”الحريات” في هولندا وغيرها، وهو حلف يرفض فرض العقوبات على روسيا، وتحالفات اليسار والخضر وحركات مدنية تتمسك بالسياسات الأوروبية وبمحور بروكسيل.
لذلك فعندما انتشرت أخبار عن تمويلات روسية بلغت 300 مليون دولار لأحزاب وقادة من ضمنهم “سالفيني” و”جورجيا ميلوني”، وهي زعيمة حزب “إخوة إيطاليا” اليميني المتطرف، سارعوا إلى تصنيف تلك الأخبار بكونها مؤامرة تستهدف بشكل أساسي “جورجيا ميلوني” التي ترشحها استطلاعات الرأي لرئاسة الحكومة الإيطالية، وتكون بذلك أول رئيسة حكومة إيطالية، وتنظاف إلى لائحة النساء الحديديات كرئيسة اللجنة الأوروبية ورئيسة البنك الأوروبي ورئيسة الوزراء البريطانية ورئيسة الحكومة الفرنسية ومتيلاثها في الدول الإسكندينافية.
فعلى بُعد بضعة أيام فقط على انتخابات 25 شتنبر، لازالت الشكوك قائمة حول فرضية الأغلبية المطلقة لهذا الفريق أو ذاك، رغم تصريحات أغلب القادة السياسيين وثقتهم بالفوز ضمن تحالفات واسعة، وهو ما يعني استحالة تكوين حكومة خارج تحالفات كبيرة، لكن المؤكد هو ترقب اكتساح حزب “جورجيا ميلوني” اليميني المتطرف للعديد من المقاعد داخل البرلمان الإيطالي، كما كان عليه الأمر سواء في انتخابات فرنسا أو السويد.
كما لوحظ أن تشريعات 25 شتنبر لم تعرف تنظيم التجمعات الكبيرة في الساحات العمومية، بل اكتفت أغلب الأحزاب بتنظيم تجمعات خطابية بساحات صغيرة، فيما لعب التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في مجال التواصل السياسي والتناظر بين مختلف قادة الأحزاب وشرح مفاصل البرامج الانتخابية في سبيل الحصول على ثقة للناخب الإيطالي، بل إن بعض القادة لجؤوا إلى تطبيق “تيك توك” من أجل الاقتراب إلى الشباب، خاصة وأن الجميع بات متوجسا من انخفاض نسبة المشاركة يوم 25 شتنبر، وكذا من نسبة الامتناع عن التصويت، حيث بلغت في آخر استقراء رأي 35%.
من جهة أخرى، فإن نسبة كبيرة من مغاربة إيطاليا التي يفوق عددهم 600 ألف مهاجر مغربي – أقول – إن نسبة كبيرة منهم لديها حق التصويت بحكم تمتعهم بالجنسية الإيطالية، وهو ما يدعوهم إلى المشاركة القوية والدعوة إلى المشاركة، سواءً كناخبين أو منتخبين، من أجل وقف اليمين المتطرف والحد من تمدد أفكاره المعادية للتعددية الثقافية والدينية والتضييق على مكتسبات المهاجرين وطالبي اللجوء.