د عبد الله بوصوف: الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب يؤسس لمرحلة جديدة في قضايا الهجرة
قال الدكتور عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية والأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الـ69 لثورة الملك يُؤسس لمرحلة جديدة في ما يتعلق بقضايا ومؤسسات الهجرة، سواء من خلال الإطار التشريعي لتلك المؤسسات أو من خلال نموذج الحكامة وسؤال السياسات العمومية المتعلقة بقضايا مغاربة العالم.
وأفاد الأمين العام لمجلس الجالية أن تعدد المتدخلين والمؤسسات المكلفة بالهجرة يضع مغاربة العالم أمام العديد من البرامج المتضاربة أو المتعارضة أو المكررة أحيانًا، كما يخلق نوعا من التنافسية وعدم التكامل وغياب الانسجام بين كل تلك المؤسسات.
وأوضح بوصوف في مقال له معنون بـ”مغاربة العالم وثنائية الحكامة والسياسات العمومية”، توصل به موقع “هسبريس”، أن الخطاب الملكي حدد إحداثيات خارطة طريق جديدة، تناولت عمليات التحديث والتأهيل للإطار المؤسسي، ما سيتطلب تدخل المشرع لتعزيز الترسانة القانونية، سواء في إطار اختصاصات الحكومة أو البرلمان.
الدعوة لإعـادة قراءة خطاب عيد ثورة الملك والشعب ليوم 20 غشت لسنة 2022 هي عودة للوقوف بشكل أعمق على رسائل ودلالات التفكيك القوي لمرحلة مفصلية يعيشها المغرب، في ظل متغيرات دولية لها علاقة بملف الصحراء المغربية، وأيضا بالظروف العالمية، كتداعيات كوفيد وأيضا الحرب الدائرة في أوكرانيا، وحرب الحبوب والطاقة وتداعيات التغييرات المناخية (الحرائق وقلة الأمطار…)، وغيرها من العوامل المؤثرة في معادلات العلاقات الدولية.
وإذا كانت روح ثـورة 20 غشت 1953 قـد طبعتها التضحية والتضامن والالتفاف حول المقدسات الوطنية والترابية فإن هذه الثوابت نفسها أمًنَتْ للمغرب البقاء واقفا على رجليْه، وسمحت له بفرض شروطه، وألا يُـفاوض على صحرائه، وأنها مقياس صِدق الصداقات ونَجاعة الشراكات…
فالقيام بقراءات متعددة للخطاب هي قراءة جديدة في دلالات لحظات التوشيح الملكي أو الإشادة الملكية بمغاربة العالم، بمن فيهم اليهود المغاربة، بأرفع الأوسمة، نظير دورهم المحوري في الدفاع عن ملف الوحدة الترابية في بلدان الإقامة أو في أعمال التضامن مع الأسر المغربية أو عمليات الاستثمار والتنمية.
الأكيد أن الخطاب سيكون لـه ما بعده، والمؤكد أنه سيُؤسس لمرحلة جديدة في ما يتعلق بقضايا ومؤسسات الهجرة، سواءً من خلال الإطار التشريعي لتلك المؤسسات أو من خلال نموذج الحكامة وسؤال السياسات العمومية المتعلقة بقضايا مغاربة العالم. وذلك في أُفُق الإجابة عن انتظارات مغاربة العالم في ما يخص عراقيل المساطر الإدارية أو مآلات ملفات الاستثمار، وكذا التأطير الديني والتربوي ووشائج الهوية المغربية … وكذا احتضان الكفاءات والموهوبين المغاربة بالخارج، ومواكبة الشباب حامل المشاريع والمبادرات.
في المقابل فقد حدد الخطاب بدقة كبيرة إحداثيات خارطة طريق جديدة، تناولت عمليات التحديث والتأهيل للإطار المؤسسي، وهو ما سيتطلب تـدخل المشرع لتعزيز الترسانة القانونية، سواء في إطار اختصاصات الحكومة أو البرلمان، وهو ما عبر عنه الخطاب بالإطار التشريعي.
إن تعــدد المتدخلين والمؤسسات المكلفة بالهجرة، والمتمثلة في وزارة الخارجية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، ومؤسسة الحسن الثاني، ومجلس الجالية، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، ووزارة التعليم، وغيرها… يضعنا أمام العديد من البرامج المتضاربة أو المتعارضة أو المكررة أحيانًا من جهة، ويخلق نوعا من التنافسية وعدم التكامل وغياب الانسجام بين كل تلك المؤسسات من جهةٍ ثانية؛ وهو ما وقف عليه بالفعل تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات سنة 2018 بخصوص العرض الثقافي الموجه لمغاربة العالم خلال سنتي 2016 و2017، وهو التقرير الذي حمل خُلاصات صادمة تتعلق بعدم التكامل وعدم التتبع وقياس الأثــر، الشيء الذي يرفع من درجة استعجال “إطار تشريعي” جديد يُحدد اختصاصات كل مؤسسات الهجرة بـدقـة، ويضمن مساحات مهمة للتكامل والتعاون بينها، ويَمنع تعارضها وتضارب اختصاصاتها.
ليس هذا فحسب، بل إن التحديث والتأهيل المؤسسي يعني أيضا الشروع في تنزيل الفصل 163 وإخراج قانون تنظمي لنسخة جديدة من مجلس الجالية، تضمن له “الإحالة الذاتية” و”المبادرة” في إبـداء آرائه في كل الإجراءات والقوانين التي لها علاقة بقضايا مغاربة العالم؛ على اعتبار أن مجلس الجالية هو المؤسسة الوحيدة التي بإمكانها توفير المعرفة العلمية لكل قضايا الهجرة، بفضل تراكم سنوات طويلة في البحث العلمي والقيام بدراسات في ظاهرة الهجرة اعتمادا على العلوم الإنسانية والاجتماع والتاريخ وغيرها. هذا مع التذكير بضرورة مراجعة الإطار التشريعي لمؤسسات قوية من حجم وزارة الخارجية ومؤسسة الحسن الثاني ذات طابع اجتماعي وثقافي، وخطوط التماس مع وزارة التعليم أو الثقافة أو الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي المغربي بأوروبا.
فالمعنى القوي كمصطلح “الإطار المؤسسي الخاص بفئة مغاربة العالم” يجعلنا نميل إلى أن نص الخطاب شمل كل مؤسسات الهجرة رغم تعددها وتنوعها؛ وبالتالي إخضاعها أيضا لكل عمليات التحديث والتأهيل، لما فيه مصلحة مغاربة العالم.
وقــد كانت “إعادة النظر في نموذج الحكامة بالمؤسسات الموجودة قصد الرفع من نجاعتها وتكاملها…” إحدى أهم الفقرات القوية في خطاب الثورة لسنة 2022، إذ وُجُوب إعادة النظر لم يـشمل “مؤسسات” الحكامة الواردة في الوثيقة الدستورية، بل “نموذج” الحكامة… وهو ما يطرح إشكالية ثـنائية الحكامة وصناعة السياسات العمومية الخاصة بمغاربة العالم…؟.
ويظهر من خلال تعريف مصطلح “السياسات العمومية”، حسب معهد الدراسات العمومية بفرنسا، أنها “مجموع القرارات والأعمال والتدخلات المتخذة من قبل الفاعلين المؤسساتيين والاجتماعين لأجل إيجاد الحلول لمشكل جماعي ما”. بمعنى أن السياسات العمومية يقوم بها الفاعل المؤسساتي/ الحكومي، بالإضافة إلى الفاعل الاجتماعي، الذي يمكن أن يكون نُخبا في العلوم الاجتماعية والاقتصاد والاجتماع أو هيئات استشارية / عمالية / مهنية…
وهنا لابد من استحضار الفصل 163 من الدستور، حيث خص المشرع الدستوري مجلس الجالية بإبداء آرائه بخصوص توجهات السياسات العمومية في مجالات الهوية وحقوق مغاربة العالم ومساهمتهم في تنمية الوطن.
وإذا كنت السياسات العمومية هي مجال اشتغال وتطبيق الحكامة…التي تعني من خلال التعاريف المفاهيمية أنها طريقة تدبير السياسات العمومية والموارد الاقتصادية لتحقيق التنمية الاجتماعية…فإنه من البديهي طرح سؤال الحكامة الجيدة أو تخليق الحياة العامة، وهو الأمر الذي تناوله المشرع المغربي، سواء في تصدير دستور 2011، أو من خلال العديد من الفصول الدستورية، خاصة الفصل 13، وكذا دسترة مؤسسات الحكامة الجيدة من 161 إلى 170، والفصل 151 والخاص بالمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي.
لذلك، وحتى نعيد النظر في نموذج الحكامة بالمؤسسات الموجودة (الخاصة بمغاربة العالم) …فإنه يتوجب على الفاعل الحكومي أن يجعل من كل المؤسسات وهيئات الحكامة المكلفة بمغاربة العالم شريكًا حقيقيًا في القرار السياسي، وفي تنفيذ برامج السياسات العمومية المتعلقة بمغاربة العالم، وليس كغريم سياسي ومنافسه في السلطة؛ وهو ما سيرفع لا محالة من نجاعتها ويضمن تكاملها وتطبيقا لمبادئ الحكامة الجيدة في السياسات العمومية…
لأنه لا يمكننا الاستمرار في حالة تجاهل الفاعل التشريعي (برلمان وحكومة) لقضايا مغاربة العالم والتعامل معها بكيفية مناسباتية فقط، كشهر رمضان أو عملية عبور..إذ كيف نفسر أنه طيلة الولاية التشريعية التاسعة 2011/ 2018 لم تنـل قضايا مغاربة العالم الاهتمام الواجب واللازم داخل قبة البرلمان، فمن بين 23077 سؤالا كتابيًا لكل القضايا كان نصيب قضايا مغاربة العالم 134 سؤالًا فقط، أي بنسبة 0.58 في المائة، ومن بين 9583 سؤالا شفويا لكل القضايا كان نصيب مغاربة العالم 113 سؤالا فقط…وأجابت الحكومة عن 77 سؤالا كتابيا و51 سؤالا شفويا بمجموع 128 إجابة… نعتقد أن لغة الأرقام ليست وجهة نظر، بل حقيقة دامغة تُعجل بضرورة إعادة النظر في نموذج الحكامة كما جاء في خطاب الثورة لسنة 2022…
ومن جانب آخر فإن خارطة الطريق نبهت إلى ضرورة انفتاح قطاع المال والأعمال الوطني والمؤسسات العمومية على الكفاءات والمواهب الشابة من مغاربة العالم، من أجل دعمهم وتمكينهم بعد تعثر العديد من البرامج الحكومية الخاصة بالكفاءات والمواهب، مثل “فينكوم” و”مغربكم” والجهة 13″… أكثر من هذا فالطريق مُعبـد الآن للتعجيل بخلق “وكالة ثقافية” تحتضن أفكار وأحلام الأجيال الجديدة وتقدم صورة إيجابية عن مغرب اليوم.
إن التعجيل بتنزيل فلسفة مضامين خطاب 20 غشت يجب أن يحتل مراتب الأولوية في الولاية التشريعية الحالية، حتى نكون قادرين جميعًا على تقديم الإجابة عن سؤال جلالة الملك: ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟