وزراء الطاقة بالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يتوصلون إلى اتفاق حول إصلاح سوق الكهرباء لحماية المستهلكين الأوروبيين من تقلبات الأسعار وتسريع اعتماد الطاقات المتجددة
بعد مخاض عسير دام لعدة أشهر، توصل وزراء الطاقة بالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مؤخرا، إلى اتفاق طال انتظاره حول إصلاح سوق الكهرباء، والذي يُرجى من خلاله حماية المستهلكين الأوروبيين من تقلبات الأسعار وتسريع اعتماد الطاقات المتجددة، في ظل ظرفية اقتصادية وجيو-سياسية بالغة التعقيد.
ففي سياق أزمة طاقية غير مسبوقة ارتفعت معها أسعار الطاقة بشكل ملحوظ، كان لزاما على البلدان السبعة والعشرين إيجاد اتفاق مبتكر يتسنى من خلاله خفض فواتير الأسر والشركات، لاسيما بفضل آلية جديدة تتمثل في نظام العقود طويلة الأجل CFD، والتي من شأنها تخفيف عواقب تقلب أسعار الغاز.
هذه الآلية التي تم التوصل إلى اتفاق بشأنها عقب مفاوضات عسيرة بين فرنسا وألمانيا وشهدت معارضة هنغاريا، ستسمح للدول بالحصول على فائض العائدات من منتجي الغاز والنفط عندما ترتفع الأسعار.
هكذا، إذا كان سعر سوق الجملة أعلى من السعر المرجعي، فسيتوجب على المنتج دفع المداخيل الإضافية المكتسبة للدولة، التي تقوم بعد ذلك بإعادة توزيعها على المستهلكين، وفي حال ما إذا كان السعر أقل من ذلك فإن الدولة تلتزم بدفع تعويضات للمنتجين
ويُفسِرُ جل المراقبين الخلاف الفرنسي-الألماني الذي أدى إلى تجميد اتخاذ قرار بهذا الخصوص لشهور عدة، إلى رغبة باريس في إدراج الطاقة النووية التي يعتمد عليها سوق الطاقة لديها على نحو كبير ضمن العقود طويلة الأجل، بينما اعتبرت برلين هذا المطلب بمثابة طموح فرنسي للحصول على ميزة تنافسية غير عادلة.
والواضح أن الخلاف الفرنسي-الألماني حول إدراج الطاقة النووية ضمن هذا الاتفاق كان سببا في عرقلة المفاوضات لفترة طويلة، حيث اختلفت باريس وبرلين بحدة حول الشروط المطلوبة لتطبيق نظام العقود طويلة الأجل، لاسيما بشأن الاستثمارات التي تهدف إلى إطالة أمد وجود محطات الطاقة النووية الحالية.
فبعد التخلي عن إنتاج الطاقة النووية والتوقف عن استيراد الغاز الروسي الذي كانت تعتمد عليه لفترة طويلة، أضحت ألمانيا تخشى من المنافسة التي تعتبرها غير عادلة من جانب قطاع إنتاج الكهرباء الفرنسي، معربة عن عدم رضاها عن إعادة التوزيع السخي للإيرادات الناتجة عن العقود طويلة الأجل على الشركات المصنعة الفرنسية.
وكان وزير الاقتصاد الألماني، روبيرت هابيك، قد أكد أن “الأمر يتعلق بضمان شروط التنافس العادل في أوروبا، وهذه الشروط العادلة لا ينبغي أن تتأثر بأنماط خاصة لأسواق الطاقة”، فيما عبرت وزيرة الانتقال الطاقي الفرنسية، أنييس بانييه روناشير، عن ابتهاجها للتوصل إلى هذا الاتفاق.
وأكدت الوزيرة الفرنسية في هذا الصدد، أن من شأنه “فصل سعر الكهرباء عن سعر الوقود الأحفوري (…) حيث أن هذا الاتفاق، يمكن أن يعرف ارتفاع سعر الغاز، لكنه لن يؤثر على سعر الكهرباء (…) هذه أخبار جيدة للفرنسيين”.
وفي سياق متصل، قالت تيريزا ريبيرارودريغيز، وزيرة التحول البيئي والتحدي الديموغرافي الإسبانية، التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي: “أنا فخورة بأن أقول إننا اتخذنا اليوم خطوة استراتيجية من أجل مستقبل الاتحاد الأوروبي. لقد توصلنا إلى اتفاق لم يكن من الممكن تصوره قبل بضع سنوات فقط”.
وأضافت: “بفضل هذا الاتفاق، سيستفيد المستهلكون في الاتحاد الأوروبي من أسعار طاقة أكثر استقرارا، مع ارتهان أقل لتقلبات أسعار الوقود الأحفوري، وحماية أفضل من الأزمات المستقبلية (…) سنقوم أيضا بتسريع اعتماد الطاقات المتجددة، التي تعد مصدر طاقة أرخص وأنظف بالنسبة لمواطنينا”.
والأكيد أن هذا الإصلاح، الذي تمت إحالته على النقاش بالبرلمان الأوروبي، سيُمكن أسواق الكهرباء في الاتحاد الأوروبي من التمتع باستقرار طويل الأمد، بينما يحول دون الارتفاع غير المتوقع في فواتير المستهلكين.