د.عبد الله بوصوف في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر: المغرب من بين الدول القلائل على الصعيد العالمي التي تولي أهمية استراتيجية لجالياتها عبر العالم، وهو توجه رسمه صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ اعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين
يشكل الاحتفال باليوم الوطني للمهاجر، الذي أقره صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2003، موعدا بارزا لتعزيز الأواصر مع المغاربة المقيمين بالخارج، واستشراف آفاقهم المستقبلية، وكذا تقييم حصيلة الإنجازات التي تحققت لفائدة هذه الفئة، التي ما فتئت تنخرط في مختلف الأوراش التنموية وتتجند دفاعا عن القيم والمصالح العليا للمملكة.
وبهذه المناسبة، يتوقف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عبد الله بوصوف، في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، عند أهمية تخليد هذا اليوم الوطني كل عام في العاشر من غشت، والأدوار التي يضطلع بها المجلس في الدفاع عن مصالح الجالية، وكذا أبرز الإنجازات التي حققها منذ تأسيسه.
وصرح د.عبد الله بوصوف في هذا الإطار أن المغرب يعتبر من بين الدول القلائل على الصعيد العالمي التي تولي أهمية استراتيجية لجالياتها عبر العالم، وهو توجه رسمه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، منذ اعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين.
وأضاف المتحدث:”وما تخليد اليوم الوطني للمهاجر إلا واحدا من أوجه العناية الخاصة التي يوليها جلالة الملك للمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج، والتي تتجلى أيضا في حرص جلالته على إعطاء مكانة هامة لقضايا مغاربة العالم في مجموعة من الخطابات الملكية وتوجيه الفاعلين المؤسساتيين للاطلاع على مشاكل الجالية وتحسين الخدمات الموجهة إليهم ووضع سياسات عمومية فعالة تستجيب لمطالبهم، وتحافظ على هويتهم المغربية”.
وفي ذات السياق، أكد بوصوف أن أهمية تخليد يوم وطني للمهاجرين المغاربة، تكمن كذلك، في تقريب قضايا الجالية المغربية من مختلف المؤسسات المعنية من خلال مختلف الأنشطة الرسمية التي تنظم على امتداد التراب الوطني، فضلا عن تحسيس الرأي العام بخصوصيات هذه الفئة ومكانتها المحورية في الدينامية الاقتصادية والتنموية التي تشهدها المملكة.
وفي جواب على إنجازات مجلس الجالية المغربية بالخارج التي تحققت منذ تأسيسه سنة 2007، أفاد الأمين العام أن المجلس استطاع، منذ تأسيسه، أن يحيط بمختلف القضايا الكبرى التي تطرحها الهجرة المغربية، وكذا التحولات التي تعرفها سياقات دول إقامة مغاربة العالم، وذلك وفق مقاربة علمية تشاركية تعتمد على الدراسة العلمية والإنصات وإشراك الفاعلين في الميدان.
وزاد المتحدث قائلا: “قد توج هذا العمل بإصدار مئات الدراسات والمؤلفات التي اهتمت بمختلف جوانب الهجرة المغربية وأغنت الخزانة الوطنية بأكثر من 200 مؤلف، قدمت آراء المجلس وعناصر علمية للمساهمة في الإجابة عن أهم التحديات التي تواجه المهاجرين المغاربة باختلاف مجتمعات إقامتهم.كما عمل المجلس على تسليط الأضواء على الكفاءات المغربية عبر العالم في مختلف المجالات العلمية والثقافية والرياضية والفنية، ودعوة مختلف الفاعلين إلى الاستفادة من خزان الكفاءات الذي توفره الجالية المغربية، وهو ما يعطينا امتيازا على الصعيد العالمي في اقتصاد المعرفة وحركية الأدمغة، خصوصا مع ما نسجله من ارتباط قوي لأبناء الجالية المغربية بوطنهم الأم واستعدادهم الدائم للدفاع عن قضاياه والمساهمة في تنميته”.
ودأب المجلس أيضا على إسماع صوت كفاءات الهجرة المغربية في ما يتعلق بالرهانات الكبرى التي تواجه المغرب مثل ندرة المياه، وورش إصلاح الصحة والتعليم وغيرها من الرهانات، من خلال تنظيم ندوات وورشات عمل تشارك فيها أبرز الكفاءات المتخصصة كل في مجاله، يتم بعدها تعميم خلاصات ومخرجات هذه اللقاءات على القطاعات المعنية وإرفاقها بتصورات ملموسة لإمكانيات مشاركة الكفاءات المغربية المهاجرة إلى جانب الكفاءات الوطنية في المشاريع الموضوعة لمواكبة هذه الرهانات.
وفي معرض رجه حول الأدوار التي يضطلع بها المجلس في ضمان الحقوق والحفاظ على مصالح المغاربة المقيمين بالخارج، قال الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج أنه انطلاقا من ظهير تأسيسه ومن البند الدستوري الذي يحدد مهام مجلس الجالية المغربية بالخارج في إبداء الرأي حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه، يعمل المجلس على أن يكون محامي الجالية أمام المؤسسات المغربية، إما بالترافع في النقاشات العمومية حول قضاياها أو بإثارة انتباه الفاعل الحكومي، كلما اقتضت الضرورة، حول إشكاليات مغاربة العالم ودعواته المتواصلة بضرورة إشراكهم في مختلف الأوراش الوطنية تطبيقا للبنود الدستورية ذات الصلة.
وأضاف المتحدث، نأمل أن تضفي الحكومة الحالية المزيد من الفاعلية على السياسات الموجهة إلى مغاربة العالم، خصوصا تلك المتعلقة بتبسيط مساطر التقاضي أخذا بعين الاعتبار خصوصياتهم، وتحسين الخدمات الإدارية الموجهة إليهم تماشيا مع توجيهات جلالة الملك الذي وضع السقف عاليا في ما يتعلق بالاستجابة لمطالب الجالية.
وبخصوص التحديات التي يواجهها مغاربة المهجر وكيفية التعامل معها، أفاد المتحدث أنه بالنظر إلى خاصية العولمة التي تتميز بها الهجرة المغربية وتواجدها كجاليات في أكثر من خمسين بلدا عبر العالم، فإن التحديات التي يواجهها مغاربة العالم لها طابع كوني في المجمل، مع بعض الخصوصيات المرتبطة بسياق كل بلد من بلدان الإقامة.
فعلى سبيل المثال، تضررت الجالية المغربية، مثل غيرها، من تداعيات جائحة كوفيد-19 على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، ومن بلوغ نسب التضخم مستويات قياسية في بعض البلدان بسبب النزاع الروسي-الأوكراني، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على قدرتها الشرائية وعلى ولوجها لسوق الشغل. كما تعاني بشكل غير مباشر من تبعات التغيرات المناخية التي تزيد من تدفقات الهجرة نحو الشمال، وهي كلها تداعيات كونية ترخي بظلالها على الجالية المغربية.
أما على الصعيد السياسي، فقد أصبحت الجالية المغربية، خصوصا في الدول الأوروبية التي تحتضن الجزء الأكبر منها، مستهدفة من طرف تيارات الشعبوية واليمين المتطرف، التي تجعل منها شماعة تعلق عليها جميع مشاكل المجتمع، وتعرضها للعنصرية والتمييز سواء في الدراسة أو في السكن أو في الولوج إلى الخدمات الصحية والمساعدات الاجتماعية.
دون أن ننسى الاستهداف الثقافي والديني من طرف مختلف التيارات الدينية والسياسية التي لا تستسيغ الارتباط الوجداني لمغاربة العالم بهويتهم الوطنية ونموذجهم الديني القائم على الوسطية والاعتدال والسلطة الروحية لإمارة المؤمنين، دون أن يكون لذلك أدنى تأثير على مواطنتهم في دول الإقامة.
كل هذه التحديات تفرض علينا المتابعة الدائمة للتحولات في مختلف بلدان الاستقبال وإشراك النسيج المدني ومختلف الفاعلين في الجالية من أجل الفهم العميق للتحديات وبلورة عناصر تمكننا من استشراف أجوبة واقعية ودقيقة على تلك الإشكاليات.
هذه المقاربة، تفرض علينا التواصل المستمر مع الجالية والمتابعة الدائمة وأن نكون على استعداد كمؤسسات لطرح مختلف قضايا الجالية في الأجندات الوطنية، وكذا في الأجندات الدبلوماسية مع دول الإقامة. ففي عالم اليوم الذي يقوم على التحالفات الاستراتيجية، أثبتت الجالية المغربية على مدى عقود، وما تزال، تجندها الدائم إلى جانب قضايا الوطن، وهي تحتاج اليوم لأن نكون سندا لها والدفاع عن مصالحها.