مراكش تحتضن مؤتمرا دوليا حول الحوار بين الأديان من 13 إلى 15 يونيو الجاري تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس
في سياق كوني علا فيه صوت الصراعات وتناسلت فيه الأزمات المركبة والمتداخلة، اختار المغرب، كما هو دأبه، إسماع صوت العقل والحكمة والانتصار للمشترك الإنساني باستضافته المؤتمر البرلماني حول الحوار بين الأديان، الذي ينظمه، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الاتحاد البرلماني الدولي والبرلمان المغربي بمدينة مراكش من 13 إلى 15 يونيو الجاري.
فالمملكة المغربية الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، وتأسيسا على إرادتها القوية في ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والتضامن والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك ، كما ينص على ذلك دستورها، مافتئت تدعم الانفتاح والتسامح، وتحتضن منذ فترة طويلة ملتقيات وحوارات بين مختلف الأديان والحضارات.
ويعكس هذا المؤتمر ذو البعد الدولي الذي يلتئم في المدينة الحمراء رافعا شعار “الحوار بين الأديان : التعاون من أجل مستقبل مشترك”، الأدوار المهمة والمتعددة التي تضطلع بها المؤسسة التشريعية الوطنية ممثلة بمجلسي النواب والمستشارين، والتي تنهل من تاريخ المملكة العريق والحافل بالأحداث والسير والنماذج المضيئة في مجال التسامح الديني والعيش المشترك.
ويشكل المؤتمر لحظة رفيعة لتثمين العمل المشترك بغية تحقيق التعايش المستدام وبناء مجتمعات أكثر سلاما وتسامحا، ستعيشها مراكش الحمراء على مدى ثلاثة أيام، وستحتفي خلالها بالتنوع الثقافي والديني بجميع أشكاله، وتنير الطريق لمكافحة جميع أشكال التمييز وما يتصل به من تعصب وكراهية وتطرف وأعمال عنف ضد الناس على أساس أصلهم العرقي أو لون بشرتهم أو دينهم أو معتقدهم.
ويتطلع المؤتمر الذي ينظم بشراكة مع منظمة أديان من أجل السلام، وبدعم من تحالف الحضارات التابع لمنظمة الأمم المتحدة والرابطة المحمدية للعلماء، حسب المنظمين، إلى إعادة التأكيد وتوطيد القيم والمبادئ المشتركة المتمثلة في السلام والإنسانية والأخوة والتعاون بين الثقافات والأديان والأمم، والتركيز على التعليم والعلوم بوصفهما أساسا هاما للسلام ووسيلة لمكافحة مختلف أشكال التعصب.
كما يتيح فرصة مثلى لرؤساء برلمانات وبرلمانيين وقادة دينيين وممثلين عن المجتمع المدني وخبراء للانخراط في حوار بن اء وتبادل الممارسات الفضلى لمواجهة القضايا الرئيسية التي تعيق التعايش المستدام.
وعلى صعيد آخر، سيقدم المؤتمر البرلماني بشأن الحوار بين الأديان، العمل السابق بشأن “الحوار بين الأديان خطة إلى الأمام”، مع صياغة هذا الحوار باعتباره أساسيا ليس للسلام والشمول فحسب، بل كجزء من نهج جماعي ضروري لإنقاذ الكوكب.
وعلى امتداد الأيام الثلاثة للمناقشات وتبادل الآراء والأفكار، سيحدد المشاركون محاور التعاون في مجالات من قبيل تعزيز السلام، ودولة الحق والقانون، وبناء مستقبل مشترك، والمساواة بين الجنسين، ومشاركة الشباب، والثقة والاعتراف المتبادل، والتضامن والاندماج، على أن يتوج المؤتمر باعتماد إعلان رفيع المستوى.
وتوقفت الأرضية التأطيرية للمؤتمر عند سمات الوضع السائد في عالمنا الراهن وما يكتنفه من أخطار تشكل “تهديدات وجودية وأزمات رئيسية، بما في ذلك حالة الطوارئ المناخية، والاستهلاك المفرط غير المستدام وسلب الموارد، وتفاقم عدم المساواة، إلى جانب تزايد التعصب الذي يدفع الى كراهية الأجانب والتعصب الأعمى تجاه الجماعات الأخرى”.
ودقت الوثيقة جرس إنذار بخصوص معاناة النضالات المستمرة من أجل المساواة بين الرجال والنساء من “نكسات جديدة”، و”تزايد عدد الشباب في العالم بشكل كبير في غياب آليات للمشاركة الكاملة في المجتمع” وظهور موجات من المعاناة والتشرد كنتيجة جماعية”.
وأكدت أنه في ظل هذه التحديات تبرز الحاجة إلى عمل فوري ومتضافر يساهم في البرلمانيون باعتبارهم حراس سيادة القانون وحقوق الإنسان والعدالة في المجتمعات.
يشار إلى أن الاتحاد البرلماني الدولي تناول مسائل الإدماج والتعايش والسلام في إعلانات الجمعية العامة ومنشوراتها وأنشطتها، ويعترف إعلان مدينة كيبيك لعام 2012 بشأن “المواطنة والهوية والتنوع اللغوي والثقافي في عالم معولم” بأهمية الموازنة بين احترام التنوع، والشمولية، والتماسك الاجتماعيين، كوسيلة لبناء الثقة داخل المجتمعات، وفيما بينها وكشرط مسبق للتقدم والازدهار وجودة حياة عالية.
كما أقر إعلان سانت بطرس برغ لعام 2017 بشأن “تعزيز التعددية الثقافية والسلام من خلال الحوار بين الأديان والأعراق” بأن الحوار مع الأديان والثقافات والأعراق ضروري للسلام والتعددية الثقافية وأن برلمانات العالم، كممثلين للشعوب، ملتزمة بتعزيز العمليات المعيارية والأطر القانونية”.
ويوفر الاتحاد البرلماني الدولي، بوصفه المنظمة الدولية لبرلمانات الدول ذات السيادة، لعقود عديدة منبرا فريدا وشاملا للبرلمانيين من جميع الجنسيات والأديان والمعتقدات للعمل معا للتصدي للتحديات الرئيسية التي تواجه العالم.
وقد عمل الاتحاد البرلماني الدولي على بناء جسور الحوار والتفاهم، والمساعدة على تهيئة الظروف المواتية للسلام والديمقراطية والتنمية المستدامة، كما يسعى تماشيا مع استراتيجيته الجديدة، إلى إدماج رؤية أوسع نطاقا ومتطورة وقائمة على النظم للجهات الفاعلة والتفاعلات والديناميات التي تؤثر على البرلمانات والبرلمانيين.