د.عبد الله بوصوف: قمة جي 20 ببالي، بين مخاض ولادة عالم جديد وفرصة جديدة للسلام
ستجري بمدينة “بالي” الإندونيسية قمة المجموعة العشرين G20 يومي 15 و16 نوفمبر الحالي، في وقت تتسارع فيه الأحداث ويتغير فيه الفاعلين السياسيين بعد كل الانتخابات التي عرفتها بعض الدول الأعضاء في المجموعة كانتخابات إيطاليا والبرازيل.
ويذكر أن الإعداد لهذه القمة امتد منذ شهور عديدة ابتداء من شهر يوليوز الماضي حيث اجتمع وزراء الخارجية من أجل الاتفاق على جدول اعمال ناجح لقمة تعقد في ظروف ساخنة.
ويرى العديد من المراقبين أن هذه القمة ستكون مناسبة لتذويب الخلافات أو التمهيد لبناء علاقات دولية جديدة أو تحديد معالم العالم الجديد سواء على مستوى التحالفات السياسية أو المصالح الاقتصادية من جهة، كما أنه ستكون فرصة لاستعراض العضلات أو جس النبض بين التحالف الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية أو تحالف الشرق بزعامة روسيا والصين من جهة ثانية.
الأكيد أن تداعيات كل من الأزمة الصحية من جراء كوفيد 19 وما تبعها من إنهاك اقتصادي وديمغرافي، والحرب الدائرة في أوكرانيا وما خلفته من أزمة طاقية وغذائية، بالإضافة إلى سلبيات التغييرات المناخية… كلها عوامل ستكون حاضرة بقوة في قمة مدينة “بالي”، كما ستكون حاضرة توصيات المؤتمر العالمي حول المناخ المنعقد مؤخرا في شرم الشيخ بمصر (كوب 27).
لكننا نعرف أن قمة “بالي” هي أيضا مناسبة للقاءات مباشرة لقادة العالم بعد التدابير الوقائية للكوفيد من جهة وامتداد مساحة التوتر بين العديد من قادة بلدان G20. فالرئيس الأمريكي” جو بايدن” مثلا لم يلتق مباشرة بالرئيس الصيني ”شي جين بينغ” منذ أن كان نائبًا للرئيس أوباما، لذلك فلقائهما على هامش قمة جي 20 بإندونيسيا هو حدث سياسي مهم في تاريخ العلاقات بين البلدين، التي ازدادت توترا مع رفع تسعيرة الجمارك في عهد الرئيس السابق ترامب، ثم حبس العالم أنفاسه أثناء زيارة “نانسي بيلوسي” رئيسة البرلمان الأمريكي لجزيرة تايوان في غشت الماضي، وردت الصين عليها بتنظيم مناورات عسكرية غير مسبوقة في المنطقة.
ورغم ما عرفته علاقات المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الامريكية من مد وجزر في السابق، فإن عدم تصويت السعودية على قرار رفع انتاج في الاجتماع الأخير لمنظمة الأوبيك بلوس، قد أزعج كثيرا الإدارة الأمريكية خاصة وأن القرار جاء في وقت تبحث فيه دول الغرب عن بديل لغاز روسيا، لذلك فلقاء الأمير السعودي محمد بن سلمان وبايدن من شأنه إذابة الجليد وبناء علاقات جديدة على مقاسات المرحلة الجديدة، كما أن سلسلة توتر العلاقات بين أعضاء “جي 20” يشمل أيضا فرنسا وتركيا في التنافس أولا حول دور الوسيط بين روسيا والغرب، وثانيا المنافسة على مناطق بإفريقيا. وبين فرنسا وإيطاليا في ملف الهجرة وفتح الموانئ أمام بواخر المنظمات الإنسانية المحملة بالمهاجرين غير النظاميين.
لكن يبقى الغائب الأكبر عن قمة جي 20 هو الرئيس الروسي “فلادمير بوتين”، حيث سيعوضه وزير خارجيته “سيرجي لافروف”، ربما لانشغاله بإدارة الحرب في أوكرانيا خاصة بعد قرار روسيا الانسحاب المفاجئ من منطقة “خيرسون” والتي تم ضمها إلى جانب ثلاث مناطق أخرى إلى السيادة الروسية بعد استفتاء شعبي في شهر شتنبر الماضي لاقى الكثير من الانتقاد والتشكيك في مصداقيته وقانونيته.
الانسحاب الروسي من “خيرسون الاوكرانية” اعتبره البعض بأنه هزيمة قاسية لروسيا في الحرب على أوكرانيا وأنه سيؤثر لا محالة في مجريات الحرب هناك، كما سيؤثر على سير كل مفاوضات قادمة، وأكثر من هذا سيهز من ثقة القوات الروسية نظرا للموقع الاستراتيجي الهام للمنطقة. كما اعتبره البعض الآخر مقدمة لمفاوضات قد تقود إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا.
لذلك فمن المنتظر أن تكون الحرب الروسية/ الأوكرانية وكل تداعياتها من تهديد للأمن الطاقي والغذائي وموجات الهجرة الجماعية، إحدى الملفات التي ستحظى بنقاشات طويلة في” قمة بالي” لتعقد العلاقات بين تياريْ الحرب، بين تيار روسيا والصين وإيران من جهة، وتيار أوكرانيا والاتحاد الأوروبي وأمريكا والناتو من جهة ثانية. ولتغييرات مهمة في منظمة البريكس BRICS حيث فاز اليساري “لويس إيناسيو لولا دا سيلفا” بولاية ثالثة في البرازيل وأزاح بذلك اليميني “جايير بولسونارو”.
وبالمناسبة فقد لوحظ في السنوات الأخيرة عودة قوية لما سمي في بداية سنوات 2000 “بالموجة الحمراء” في أمريكا اللاتينية، حيث فاز اليسار في رئاسيات أكبر اقتصاديات أمريكا اللاتينية كالميكسيك والارجنتين والشيلي وكولومبيا والبرازيل بالإضافة الى فنزويلا. وهوما قد يعني تقديم طلب انضمام هذه الدول الى منظمة البريكس التي تحاول إقامة نظام عالمي بديل أو مقابل لكل مؤسسات العالم الحالي.
ستحاول كل الدول الأعضاء في جي 20 الدفاع عن مصالحها الثنائية أو في إطار تحالفات كبرى سياسية أو اقتصادية. وهكذا لاحظنا تنظيم لقاءات وزيارات مجاملة بين الأعضاء؛ كلقاء الألماني “أولاف شولز” بالصيني “شي جين بينغ”، أو إطلاق تهديدات مبطنة واستعدادًا للحرب كتصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مدينة تولون يوم 9 نوفمبر بخصوص الخطوط العريضة للاستراتيجية العسكرية الجديدة للبلاد. أو ظهور الرئيس الصيني ببذلة عسكرية في نفس اليوم وحديثه عن تعزيز قدرات الجيش والاستعداد للقتال.
هذا في الوقت الذي طار فيه الرئيس “جوبايدن” لمصر للمشاركة في أعمال قمة كوب 27، مباشرة بعد انتخابات التجديد النصفي التي جرت في فاتح نوفمبر الحالي ومنها إلى كامبوديا للمشاركة في اجتماع “آسيان” يومي 12 و13 نوفمبر ثم الى أندونسيا للمشاركة في قمة جي 20. أما الرئيس الصيني فسيطير إلى مدينة بانكوك بالتايلاند لمشاركة القادة الاقتصاديين APEC بعد قمة جي 20 حيث من المنتظر لقاءه مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أيضا.
ويبدو أن “قمة بالي” في نوفمبر 2022 ستكون نقطة فاصلة بين مرحلتين وبين تيارين، بعيدا عن صوت الرصاص والتهديد بالأسلحة النووية أو القذرة، وبعيدا عن توظيف سلاح التجويع الجماعي والظلام وقطع الكهرباء والتهديد بالعقوبات الاقتصادية. من جهة، وبين تيار ينتصر لصوت الحكمة وكل طرق الديبلوماسية وفي مقدمتها الديبلوماسية الناعمة وينتصر للشرعية الدولية واحترام السيادة الوطنية للدول، من جهة ثانية. لأن قمة بالي يجب استثمارها كفرصة كبيرة للسلام.